تقدير موقف
- دكتور عبد القادر غولني
- أكاديمي وباحث مختص في الشأن الإفريقي
مقدمة
تُجسّد ولاية شمال شرق الصومال “خاتمو” واحدة من أبرز التعبيرات السياسية المعاصرة لتطلعات الصومال نحو وحدة وطنية أكثر عدالة وشمولًا. تضم ولاية “خاتمو” مناطق “سول” و”سناغ” و”عين” (SSC)، التي تحمل رمزية تاريخية عميقة متجذرة في الذاكرة الوطنية. فقد كانت “سول” مهد انطلاقة ثورة الدراويش بقيادة السيد/ محمد عبد الله حسن، عام 1899، التي استهدفت تمدد الاستعمار البريطاني نحو الأراضي الصومالية، الذي ظل مسيطرا أجزاء منها منذ 1887. وشكّلت هذه الثورة، التي استمرت لأكثر من عقدين، أولى حركات التحرر في شرق إفريقيا، حتى قُمعت بقصف جوي قاسٍ على مدينة تليح عام 1920، في أول استخدام للطيران الحربي البريطاني ضد حركة مقاومة في القارة، إلى جانب قصف لحق بدار فور في السودان.
لعبت مدينة “لاسعانود”، عاصمة ولاية شمال شرق الصومال “خاتمو” سابقاً، دورًا محوريًا في التاريخ السياسي للصومال. فقد كان ناظرها أحد أبرز القيادات في النضال من أجل الاستقلال والوحدة، حيث مثّل إقليم أرض الصومال (المحمية البريطانية) ضمن الوفد الذي أبرم ترتيبات الوحدة مع الإقليم الجنوبي (الصومال الإيطالي) عام 1960. كما شهدت المدينة اغتيال الرئيس الثاني لجمهورية الصومال الوليدة، السيد/ عبد الرشيد شرماركي، في عام 1969، وهو الحدث الذي مهّد الطريق للانقلاب الذي قاده قائد الجيش اللواء/ محمد سياد بري، في العام نفسه.
وفي ثمانينات القرن الماضي، تحولت “سول” إلى محافظة مستقلة، ووقفت إلى جانب نظام سياد بري في مواجهة “الحركة الوطنية الصومالية (SNM) التي انطلقت من المناطق الشمالية، وقادت نضالا مسلحا ضد الحكومة المركزية، وبعد انهيار السلطة المركزية عام 1991 انضمت الولاية إلى المداولات السياسية التي جرت في منطقة شمال شرق الصومال (مدق، نغال، بري، سول، وسناغ) لتشارك في تأسيس إقليم “بونتلاند” عام 1998، مدفوعة بالولاء القبلي المرتبط بالنسب المشترك، إضافة إلى مساعيها لتفادي تقسيم البلاد وتقزيمها.
ومنذ عام 2007، تحولت “لاسعانود” إلى ساحة نزاع متجددة بين “بونتلاند” و”صوماليلاند”، على خلفية تصاعد الحراك الشعبي المؤيد للوحدة ورافض للانفصال. وبروز حركة سياسية محلية ناضلت ضد الانفصال، ما أدى إلى إعلان ولاية “خاتمو” عام 2012، ككيان سياسي يعكس تماسك الشعب الصومالي، وحرصه على وحدة الدولة الصومالية، والحفاظ على سيادتها وكرامتها. ويجسد تأسيس ولاية “خاتمو” أشواق أهلها في استدامة نضالهم التاريخي من أجل الحرية والوحدة الوطنية. ذلك أنه وبعد مرور قرن من الزمن، يعود أحفاد أولئك المناضلين لتأسيس كيان سياسي جديد – ولاية “خاتمو” – في ذات الرقعة الجغرافية، وفي تعبير رمزي عن تواصل الذاكرة النضالية، وتجديد الآمال في تعزيز مشروع الوحدة الوطنية. حيث يرى أهل “خاتمو” أن الكبوات التي مروا بها ليست نهاية الطريق، بل دروس تستدعي النهوض بالمنطقة من خلال افساح المجال للمشاركة السياسية، والاندماج الوطني لكافة المكونات السياسية والاجتماعية في المنطقة.
يأتي هذا التطور في ظل أزمة بنيوية تمر بها التجربة الفيدرالية في الصومال، إذ لم تفلح الكيانات الفيدرالية القائمة في تحقيق تطور مؤسسي أو استقرار سياسي. فقد شهدت “صوماليلاند”، منذ إعلان انفصالها من طرف واحد، تراجعًا ملحوظًا في شعبيتها، وتقلصًا في نطاق تمثيلها الجغرافي والاجتماعي، وتكلسا في مؤسساتها السياسية والخدمية، لا سيما بعد تمرد عشائر رئيسية مثل: سكان أقاليم “أودل”، و”سول” و”سناغ” ومقاومتهم للمشهد السياسي وتمثلاته. وكذلك تراجعت مكانة “بونتلاند”، التي كانت تُعد من التجارب الفيدرالية الرائدة، نتيجة هيمنة السلطة التنفيذية على المشهد السياسي، وتآكل التوافق الداخلي، وتجريف طموح النخب السياسية على مشروعات التنموية الداعمة لاستقرار السياسي والمجتمعي، ومطلوبات الإدارة الإقليمية في ظل الأوضاع الانتقالية التي تشهدها المنطقة، مما أدى إلى بروز حركات رفض محلية لممارسات النخب السياسية. أما “جوبالاند”، فقد دخلت في أزمة شرعية متفاقمة بعد محاولة إعادة انتخاب الرئيس المنتهية ولايته، السيد/ أحمد مدوبي، لولاية ثالثة بصورة مثيرة للجدل، ودون توافق سياسي أو قبول مجتمعي شامل.
إلى جانب ذلك، تعكس تجربة ولايات هرشبيلي، جنوب غرب الصومال، وغلمدغ تعثر النموذج الفيدرالي الصومالي في تحقيق استقرار سياسي أو بناء مؤسسات فاعلة. فقد تأسست هذه الكيانات في ظرف انتقالي هشّ، ودون مشاورات مجتمعية واسعة النطاق كالذي تتطلبه مجتمعات ما بعد الحرب، مما أفرز إدارات ضعيفة تُدار غالبًا من مراكزها الحضرية، بينما تبقى الأطراف تحت رحمة النزاعات أو نفوذ الجماعات المسلحة. ففي هرشبيلي على سبيل المثال- لا الحصر- عطّلت الانقسامات العشائرية بين إقليمي هيران وشبيلي الوسطى مسار التنمية، وكذلك فإن ولايتي جنوب غرب، وهرشبيلي ليستا أحسن حالا، حيث باتت التشكيلات التي أقيمت فيها لتوسيع مواعين المشاركة السياسية، وتخفيف ظلال السلطة المركزية في إطار منظومة فيدرالية جامعة، توفر استقرارا سياسيا وتنمية اجتماعية واقتصادية متوازنة، تتفادى بانشطار البلاد إلي جزئيات لا حصر لها، باتت هذه التشكيلات نماذج فاشلة في تحقيق قدر من الاستقرار ولو ضئيلا دعك عن التقدم المنشود.
ورغم الجهود الجبارة التي تبذلها الحكومة الفيدرالية وشركاؤها في تحسين الوضع الفيدرالي، فإن الطريق مازال بعيدا لبناء عقد اجتماعي حقيقي، يحل محل الولاءات العشائرية المتحكمة في مفاصل منظومة السلطات الولائية، والتدخلات السياسية من المركز، وبناء مؤسسات مكتملة، ومنبثقة عن إرادة المجتمع المحلي، ومعبرة عن واقعه، وملبية لطموحاته، الأمر الذي من شأنه أن يعزز شرعية هذه المؤسسات، ويعالج الواقع الهش الذي تعاني منه المنظومة الفيدرالية الحالية، التي تحوّلت إلى ساحة لتقاسم النفوذ أكثر من كونها إطارًا لبناء الدولة وتحقيق التنمية المستدامة.
تكشف هذه الاختلالات، التي أفرزتها التجربة الفيدرالية الحديثة في الصومال، عن قصور واضح انعكس سلبًا على الممارسة السياسية برمتها، حيث فشلت في احتواء التنوع الاجتماعي والسياسي، ما يجعل الحاجة ملحة إلى تبني مقاربات بديلة تحقق تمثيلًا سياسيًا أوسع وتوازنًا أكثر عدالة.
وفي هذا السياق، تبرز ولاية شمال شرق “خاتمو” ككيان سياسي ناشئ يعبر عن مطالب سكان “سول” و”سناغ” و”عين”، الذين عانوا التهميش ضمن المعادلة الولائية في كل من “صوماليلاند” و”بونتلاند”، مع آمال في الحصول على الدعم والمساندة من الحكومة الفيدرالية.
تهدف هذه الورقة إلى تحليل السياق السياسي والتاريخي لنشوء هذه الولاية الجديدة، واستعراض جذور النزاع في المنطقة، وتقييم فرص هذا الكيان في المساهمة بإعادة هندسة النظام الفيدرالي الصومالي، بما يعزز الاستقرار السياسي والتماسك الوطني.
النشأة غير المكتملة للفيدرالية في الصومال : مشروع مصالح أم ثمرة توافق وطني
يُطرح اليوم سؤال محوري في المشهد السياسي الصومالي: هل يمكن للنظام الفيدرالي القائم، والمتمركز في مقديشو، أن يتحول إلى مشروع وطني جامع يُعيد اللحمة بين الشمال والجنوب؟ وهل يُمثّل انضمام ولاية سمال شرق “خاتمو” خطوة نحو تعزيز الوحدة الوطنية، وإضعاف المشروع الانفصالي في الشمال؟
للإجابة على هذه التساؤلات، لا بد من العودة إلى جذور الفيدرالية في الصومال. فقد نشأ هذا النظام خلال مؤتمر نيروبي عام 2004، ليس كتجسيد لإجماع وطني، بل كنتيجة لضغوط إقليمية، وبفعل توازنات قبلية ضيقة. وقبل ذلك، وعقب مؤتمر عرته عام 2000، الذي أسفر عن انتخاب عبد القاسم صلاد حسن رئيسًا مؤقتًا، برزت معارضة قوية من “بونتلاند” بقيادة عبد الله يوسف، الذي كان قد رفض أيضًا مخرجات مؤتمر القاهرة عام 1997.
وعلى إثر ذلك، أعلنت “بونتلاند” تشكيل كيانها الإداري، وسعت إلى ترسيخ نموذج فيدرالي وفق رؤيتها وما يخدم مصالحها، وهو ما توافق على عمل المؤسسات المانحة للتعامل مع الصومال ثلاثة كيانات رئيسية: “صوماليلاند”، و”بونتلاند”، وجنوب ووسط الصومال. غير أن هذه الرؤية لم تُترجم إلى وحدة سياسية أو مؤسسية فعليّة، بل ساهمت في تعميق الانقسام، خاصة مع رفض “المحاكم الإسلامية” لهذا النموذج، واعتبارها إياه أداةً لتفتيت البلاد.
وهكذا، تأسس النظام الفيدرالي في الصومال على اعتبارات مزدوجة محلية/خارجية، مع تنافس حامي بين المكونات الداخلية، وفي إطار تجاذبات النخب السياسية التي لم تخل من مكر وحيل سياسية، ونفاذ صبر المانحين الذين استضافوا النخب السياسية في دول الجوار، بعد أن طالت اجتماعاتهم التي استغرقت أكثر من عامين، ما أدى إلى انكماش الميزانيات المخصصة لها، ما دفع بهم إلى قبول أي مخرجات صادرة من الاجتماعات الماراثونية التي استنزفت الوقت والجهد والمال. ورغم تقدير المانحين على جهودهم الجبارة للوقف إلى الجانب الصومال، ليتجاوز أزماته السياسية، فإنه من المؤكد أن اختيار النظام الفيدرالي لم يأتي ابتداء في اطار حوار وطني جامع وبضمانات دستورية ضامنة، وعند تطبيقه لم يخل من استعجال أضر بشكله ومضمونه. وهو ما يفسر الهشاشة التي تعانيها المنظومة الفيدرالية حتى اليوم.
الفيدرالية الصومالية : توسّع جغرافي في ظل غياب المشروع الوطني
شهدت الولاية الأولى للرئيس حسن شيخ محمود (2012–2017) توسعًا ملحوظًا في تطبيق النظام الفيدرالي، من خلال إنشاء إدارات ولائية جديدة. إلا أن هذا التوسع اتخذ طابعًا إداريًا أكثر منه خطوة ضمن مشروع وطني موحد، إذ افتقر إلى إطار دستوري منظم يحدد العلاقة بين المركز والمناطق، ما ساهم في تعميق التباينات.
ورغم اعتراض “بونتلاند” على تقسيم الجنوب إلى أربع إدارات، مضى الرئيس في تنفيذ رؤيته استنادًا إلى مخرجات مؤتمر “الرؤية 2016″، الذي انعقد في مقديشو بمشاركة نحو 300 من النخب الصومالية من داخل البلاد وخارجها. وفي ولايته الثانية، شرع في استكمال هذا المشروع بدعم إنشاء ولاية شمال شرق “خاتمو”، وهو ما أثار مجددًا حفيظة “بونتلاند”، التي اعتبرت الخطوة مساسًا بنفوذها وتدخلًا سافرًا في شؤونها. كما نددت “صوماليلاند” بهذه المساعي، معتبرة المنطقة جزءًا من أراضيها.
إلى جانب مشروع شمال شرق “خاتمو”، طُرحت مبادرة لإنشاء إدارة خاصة بمنطقة بنادر، التي تحتضن العاصمة مقديشو، بهدف تعزيز التمثيل المحلي. وتُعد هذه الخطوة محاولة جديدة لتوسيع النموذج الفيدرالي، مع مراعاة التوازن بين المكونات المجتمعية المتنافسة، وفي مقبل الأيام قد تظهر تشكيلات أخرى على غرار شمال شرق “خاتمو” و بنادر.
الفيدرالية الصومالية : بين الواقع المرير والطموحات الوطنية
الفيدرالية في الصومال، كما طُبّقت، وكما سبق أن أشرنا لم تنطلق من مشروع وطني نابع من توافق سياسي شامل أو حوار مجتمعي واسع، بل جاءت كردّ فعل على انهيار الدولة المركزية عام 1991، ومحاولة لاحتواء الانقسامات العشائرية والمناطقية. وقد تم تبني هذا النظام تحت ضغط التوازنات القبلية والتدخلات الخارجية.
لكن المشكلة الأساسية أن هذه الفيدرالية طُبّقت دون وجود دستور دائم أو آلية واضحة لتوزيع الصلاحيات والموارد بين المركز والولايات، ما جعلها أداةً لتكريس النفوذ المحلي والمتمثل بالقبائل والعشائر بدلاً من تجاوزه. وبدلاً من أن تسهم الفيدرالية في بناء دولة جامعة، أصبحت بعض الولايات تتعامل في اطار المنظومة الفيدرالية ككيان شبه مستقل، تدير مواردها بشكل منفصل، وتبرم اتفاقيات خارجية دون الرجوع إلى الحكومة الفيدرالية، التي هي وحدها مسؤولة عن ملف العلاقات الخارجية، كما حدث في حالات “بونتلاند” و”صوماليلاند”.
وفي هذا السياق، غابت المؤسسات الرقابية المشتركة، التي تحول دون تجاوز مؤسسات الدولة صلاحياتها، سواء في المركز أو الأطراف، ما أدى إلى تقصير المركز في فرض سلطانه على الأطراف، بالإضافة إلى ضعف الثقة بين المركز والأطراف. وقد أفرز كل ذلك واقعًا فيدراليًا مشوشًا ومشوّهًا، ويفتقر إلى رؤية وطنية جامعة، من شأنها أن تقوي الإحساس بالمقومات الوطنية والثقافية والدينية المشتركة، والمؤسسة على القومية الصومالية التي مهدت السبيل إلى قيام الدولة الوطنية.
إن الطموح نحو فيدرالية حقيقية لن يتحقق دون إعادة صياغة المشروع من جذوره، وتبنيه كأداة لتعزيز أسس الدولة الصومالية الحديثة، وليس كوسيلة لتقاسم النفوذ بين مراكز القوى المحلية. وتفاديًا لهذا الإشكال، يمكن تحويل الفيدرالية الصومالية إلى أداة فعالة لبناء الدولة الحديثة في الصومال من خلال:
- صياغة دستور دائم وواضح يُحدد بجلاء توزيع الصلاحيات والحقوق بين المركز والولايات.
- تجاوز الأساس القبلي في التقسيم الإداري، والانتقال إلى تقسيم يعتمد معايير موضوعية تراعي تنوع المكونات الاجتماعية والاقتصادية.
- ربط المنظومة الفيدرالية بتوزيع عادل للسلطة والخدمات، وتوسيع أوعية المشاركة وتعزيز قيم المساواة بين مكونات المجتمعية.
- ترسيخ الاندماج الوطني من خلال نفاعل مختلف الكيانات كمحرك للتعاون والوحدة بين المركز والولايات.
الجذور التاريخية للنزاع في إقليمي “سول” و”سناغ” في الصومال
يمتد النزاع حول إقليمي “سول” و”سناغ” إلى مرحلة ما بعد انهيار الدولة الصومالية عام 1991، حيث برزت عدة كيانات سياسية وإقليمية حاولت ملء الفراغ الذي خلفته انهيار الدولة، وفرض واقع إداري يرتكز إلى حيز جغرافي ووفق أسس عشائرية. ومن أبرز هذه الكيانات “صوماليلاند”، التي أعلنت انفصالها من طرف واحد، مستندة إلى الحدود الاستعمارية التي تعود إلى مرحلة ما قبل عام 1960. بالإضافة إلى “بونتلاند”، التي تبنّت مشروعًا فيدراليًا يستند إلى المكون العشائري، والامتدادات الجغرافية لعشائرها. وفي هذا السياق، شكلت منطقتا “سول” و”سناغ” نقطة تماس حادة، أو بؤرة صراع بين مشروعين متنازعين، حيث سعت كل من “صوماليلاند” و”بونتلاند” إلى بسط نفوذها والسيطرة على الإقليمين، استنادًا إلى رؤى متعارضة ومتباينة للشرعية؛ ما بين الإرث الاستعماري وتقسيماته الجائرة في “صوماليلاند”، وبين الانتماء العشائري، وربط السكان المحليين بنموذج المجتمع التقليدي والانتماء إلى الجد المشترك في حالة “بونتلاند”.
ومع ذلك، يُلاحظ في كلا المشروعين تململ شعبي وفشل ذريع في النماذج المقدمة، حيث تآكلت شعبيتيهما، وبدت محاولاتهما عاجزة عن تلبية تطلعات السكان. ما يجعلهما أقرب إلى مشاريع منتهية الصلاحية، تجاوزها الواقع السياسي والاجتماعي المتغير في الصومال. إذ إنه لم يتم تطوير هياكل الولايتين منذ تأسيسهما قبل 35 عامًا في حالة “صوماليلاند”، و27 عامًا في حالة “بونتلاند”. وبالإضافة إلى ذلك، فشلت الولايتان في تحقيق تطلعات الشعوب في العيش في بيئة مستقرة تنعم بالنماء والازدهار، مما دفع العديد من السكان إلى الهجرة بحثًا عن حياة أفضل، سواء إلى دول الجوار أو إلى مناطق بعيدة في العالم.
وبهذا تفاقم التجاذب السياسي والنزاع نتيجة غياب تأثير مؤسسات الدولة المركزية، وعجزها عن توفير الاحتياجات اللازمة لأهالي منطقتي “سول” و”سناغ”، ما وضع سكان هذه المناطق في موقع التهميش المزدوج بين ضغط المشاريع الانفصالية من جهة، والتوظيف العشائري الضيق من جهة أخرى. ولتعزيز نفوذها، لجأت بعض الكيانات مثل “صوماليلاند” و”بونتلاند” إلى استخدام القوة العسكرية، متجاهلة التوافق المجتمعي أو الاحتكام إلى الإرادة المحلية.
وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، بدأت النخب السياسية والعشائرية المحلية في الإقليمين، منذ مطلع الألفية الجديدة، بطرح فكرة “ولاية خاتمو” كمشروع سياسي بديل يعكس خصوصية المنطقة، ويستجيب لمطالب السكان في التمثيل والاندماج ضمن الدولة الصومالية، وبعيدًا عن ثنائيات الانفصال أو التبعية الفيدرالية غير التوافقية.
ديناميات التأسيس السياسي لولاية شمال شرق “خاتمو” في الصومال
في خطوة بالغة الأهمية، أُعلنت مؤخرًا ولاية “شمال شرق الصومال” ككيان فيدرالي جديد يمتد على شريط ساحلي يبلغ طوله حوالى 200 كم، ويضم نحو 33% من مساحة “صوماليلاند”، كما تمثل 44.1% من مساحة “بونتلاند”، ما يجعل منها واحدة من أبرز التحولات الجغرافية والسياسية في النظام الفيدرالي الصومالي الوليد.
كذلك تمثل الولاية الجديدة تحولًا سياسيًا يعيد رسم موازين تمثيل المؤسسات الفيدرالية في البلاد. حيث تضم هذه الولاية حوالى 17 مقعدًا في البرلمان الفيدرالي، بالإضافة إلى وزيرين في الحكومة الفيدرالية، ما يمنح سكانها صوتًا فاعلًا في صياغة القرار الوطني
لم يكن هذا التطور وليد لحظة عابرة، بل جاء نتيجة لجهود الحكومة الفيدرالية، التي انتبهت وعملت جاهدة على توسيع رقعة المشاركة السياسية، وتعزيز مبدأ الشمولية في التمثيل السياسي. لقد تبنّت الحكومة استراتيجية مرنة ومدروسة لإدماج المناطق المتنازع عليها ضمن الإطار الوطني، وفتح الباب أمام سكانها ليكونوا جزءًا فاعلًا في مشروع بناء الدولة، بدل أن يبقوا رهائن للصراع أصحاب النفوذ في الولايات المتشاكسة.
لا شك أن تشكيل ولاية “شمال شرق الصومال” يبدد المزاعم الهواية لمشروع لانفصال، وينقذ البلاد من الأطماع الخارجية التي تسعى إلى استغلال الثروات الطبيعية بصورة غير شرعية، وبدون معرفة المجتمع المحلي، والسلطات الفيدرالية، وذلك من خلال افساح المجال للجمهور في تحديد شكل المؤسسات التي تنظم شؤونه المحلية، واختيار ممثليه على المستويات الولاية والفيدرالية، ومحاسبة مسؤوليه في حماية موارد البلاد وسيادتها ووحدتها، الأمر الذي يشكل مكسبًا سياسيًا واستراتيجيًا مهمًا في مسار إعادة تشكيل الخارطة الفيدرالية للبلاد.
فالجديد في الأمر هو المقاربة المتبعة في تأسيس الولاية الجديدة، والتي منحت المجتمع المحلي فرصة لتقرير مصيره في اطار كيان دستوري قائم على مشاورات موسعة لأصحاب المصلحة في المنطقة، وفي لحظة فارقة تُمهّد لمرحلة جديدة من التوازن بين المركز والأطراف، ما يجعل نموذجا يحتذى به في اصلاح الاختلالات الذي يعاني منه النظام الفيدرالي.
جاء تأسيس ولاية شمال شرق الصومال “خاتمو” كاستجابة تراكمية لمجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية التي أدت إلى شعور عام بالإقصاء والتهميش لدى سكان منطقتي “سول” و”سناغ” و “عين”. وقد مر المشروع بمراحل متعددة من التشكّل، عكست محاولات متكررة لبناء كيان سياسي يعبر عن خصوصية تلك المناطق، في ظل غياب دور فاعل للدولة المركزية. ويمكن تتبّع نواة مشروع ولاية “خاتمو” إلى عام 2009، حين عُقد “مؤتمر نيروبي” الذي جمع نخبًا من الداخل والخارج، وعبّر عن معارضته لتقاسم النفوذ بين “بونتلاند” و”صوماليلاند”، وأسّس لما عُرف لاحقًا بإدارة SSC (سول – سناغ- عين). تطوّر هذا الحراك لاحقًا إلى إعلان سياسي رسمي بتشكيل “ولاية خاتمو” عام 2012، عبر مؤتمر تأسيسي احتضنته مدينة “تليح”، مركز “حركة الدراويش” (1899-1920)، ولاقى بدعم من بعض الشيوخ، والسياسيين، والمثقفين، ورجال الأعمال، والناشطين الاجتماعيين، غير أن المشروع واجه تحديات داخلية وخارجية حالت دون استقراره في مرحلته الأولى، منها الانقسامات العشائرية، ونقص الدعم المؤسسي من الحكومة الفيدرالية، بالإضافة إلى الضغوط العسكرية من سلطات “صوماليلاند”.
وعاد المشروع بقوة بعد أحداث “لاسعانود” في 2023، حيث قاد السكان المحليون انتفاضة شعبية لطرد القوات التابعة لـ”صوماليلاند”، وفرضوا سيطرة مجتمعية محلية على المدينة. وأسفرت هذه الأحداث عن حراك سياسي جديد تُوّج بإعادة تأسيس ولاية “خاتمو” رسميًا، من خلال مؤتمر موسع عقدته القبائل بتاريخ 25 أغسطس 2023، أعلن فيه تشكيل برلمان مؤقت مكون من 45 عضوًا، واختيار “عبد القادر أحمد أو علي” رئيسًا للولاية.
ولقي هذا التشكيل مساندة قوية ودعمًا رسميًا من الحكومة الفيدرالية الصومالية، حيث أعلن الرئيس حسن شيخ محمود في خطاب له بتاريخ 25 مايو 2024 اعتراف الدولة بولاية “خاتمو” ككيان فيدرالي قائم. وشكّل هذا الاعتراف نقطة تحول استراتيجية في علاقة المركز بأطرافه، وفتح الباب أمام إعادة هندسة المشهد الفيدرالي على أسس أكثر شمولًا.
الاعتراف السياسي لولاية شمال شرق “خاتمو” : قراءة في الأبعاد والدلالات
يحمل اعتراف الحكومة الفيدرالية الصومالية بولاية “شمال شرق الصومال” أبعادًا سياسية ودستورية عميقة تتجاوز القبول الإداري الشكلي، ليؤسس تحولا نوعيا في بنية النظام الفيدرالي الصومالي، وليقيم معادلة في العلاقة بين المركز والأطراف. ويمكن تحليل هذه الدلالات على المستويات التالية:
- توسيع قاعدة الشرعية السياسية للنظام الفيدرالي
يمثل إدماج ولاية “شمال شرق الصومال” ضمن الكيانات الفيدرالية اعترافًا رسميًا بتمثيل سكان مناطق: “سول” و”سناغ” و”عين” في العملية السياسية، بعد سنوات من التهميش. وهذا يسهم في ترسيخ مفهوم التعددية ضمن الفيدرالية الصومالية، ويعزز من قاعدة المشاركة الشعبية بعيدًا عن التمثيل القائم على الأمر الواقع، أو التوزيع القبلي الحصري.
- إعادة ضبط ميزان القوى بين الكيانات الفيدرالية
أدى الاعتراف بولاية “شمال شرق الصومال” إلى اصلاح المشهد الفيدرالي القائم، خاصة في ظل التعثر الذي تعاني منه ولايات مثل “صوماليلاند” و”بونتلاند” و”جوبالاند” و”هيرشبيلي”. فظهور كيان فيدرالي جديد يرفع شعار الوحدة ويطالب بمركزية الدولة يخلق معادلة ضبط جديدة على الكيانات الأخرى، ويحفز على إعادة النظر في طبيعة توزيع السلطات والنفوذ داخل الدولة، والمعادلة بين المركز والأطراف.
- تعزيز دور الحكومة الفيدرالية بوصفها الضام نلتحقيق التوازن الوطني
من خلال دعم تأسيس ولاية “شمال شرق الصومال”، أعادت الحكومة الفيدرالية التأكيد على دورها كمركز موحِّد، لا كطرف في صراع بين الولايات. ويُعدّ هذا الاعتراف خطوة نحو استعادة زمام المبادرة السياسية، في مواجهة محاولات بعض الكيانات الفيدرالية فرض شروطها على الدولة المركزية أو تجاوز سلطتها.
- تقليص مخاطرالنزعات الانفصالية والتقسيمية لوحدة الدولة
يمثّل الاعتراف بولاية “شمال شرق الصومال” ضربة رمزية وسياسية قوية لمشروع “صوماليلاند” الانفصالي، إذ يعكس رفضًا محليًا متزايدًا للانفصال، لاسيما من داخل الإقليم ذاته. فتقرير مناطق استراتيجية مثل “سول”، و”سناغ”، و”عين” مصيرهم في اطار النظام الفيدرالي، يعيد رسم خارطة النفوذ والسيطرة، ويقوّض الأسس السياسية والتاريخية التي تستند إليها التيار الانفصالي.
كما يمثّل هذا الاعتراف خطوة مفصلية لكبح جماح مشروع “بونتلاند”، الذي يُنظر إليه، في ظل قيادته الحالية، كأداة تخدم أطرافًا خارجية تسعى لتحقيق مصالحها على حساب وحدة الصومال واستقراره. ويأتي الاعتراف بولاية “شمال شرق الصومال” كمحاولة جادة لتصحيح مسار الفيدرالية، والحد من المشاريع التي تُغذّي الانقسام وتُعطّل بناء الدولة، بل وتُلحق الضرر بمصالح دول شقيقة وصديقة، تتقاطع مصالحها الاستراتيجية مع استقرار ووحدة الصومال في محيطه الإقليمي ومجاله الحيوي.
التحديات التي تواجه ولاية “خاتمو”
وعلى الرغم من الزخم السياسي والشعبي الذي رافق الاعتراف بولاية “شمال شرق الصومال”، إلا أن ترسيخ موقعها ضمن النظام الفيدرالي الصومالي ما يزال يواجه عددًا من التحديات البنيوية والسياسية، يمكن تلخيصها على النحو التالي:
- حداثة التجربة المؤسساتية والإدارية
تُعد “شمال شرق الصومال” كيانًا ناشئًا يفتقر أن تستكمل مؤسساته تنفيذية وتشريعية، كما تواجه صعوبات توافر الكادر المؤهل القادر على توفير مطلوبات مرحلة الميلاد، والمحافظة على الزخم المصاحب لها، إلى جانب وإعادة تأهيل المنطقة التي تضررت بالحروب، في ظل محدودية الموارد المتاحة، وضعف الدعم المؤسسي المنظّم من المركز.
- التحديات الأمنية والسياسية
ما تزال مناطق “سول” و”سناغ” و”عين” تشهد توترات أمنية مستمرة، سواء بمعارضة “صوماليلاند” بقيام الولاية، الأمر الذي قد يتطور إلي صدامات عسكرية، أو تهديدات متوقعة من قبل “بونتلاند”، ما يجعل ترسيخ الأمن شرطًا أساسيًا لسلامة الولاية واستمراريتها. كما أن بسط السيطرة الفعلية على كامل المناطق التي تنطوي تحت “شمال شرق الصومال” قد يأخذ قدرا من الزمن، وقد تصاحبه كلفة أمنية تتطلب بأخذ الحيدة والحذر، الأمر الذي سيفرض تحديا إضافيا لملازمة توفره بتعزيز شرعية الولاية على كامل المناظق التي تمثلها.
- التشابك العشائيري وتأثيره على بنية الحكم
رغم أن مشروع “ولاية شمال شرق الضومال” قُدم على أنه مشروع وطني جامع، إلا أن بنيته ما تزال ذات جذور عشائرية، لاسيما ارتباطه بعشائر “طُولهانتي” و”ورسنغلي”. وهو ما يُحتم على القيادة السياسية تطوير خطاب يتجاوز الطابع العشائري، ويؤسس حكما تعدديا يستوعب التنوع في المنطقة، ويُمثل جميع سكان الولاية، ويمنع تكرار سيناريوهات الانقسامات التي حدثت في الفترات السابقة، وقد يستلزم ذلك في المستقبل فتح حوار مع العشائر المجاورة لإيجاد أرضية مشتركة تتسع لجميع سكان المنطقة.
- محدودية الدعم المالي والسياسي من الحكومة الفيدرالية
اعتراف الحكومة الفيدرالية وحده غير كاف لضمان نجاح ولاية “شمال شرق الصومال”، بل يتطلب الأمر دعمًا فعليًا يتضمن تمويلًا كافيًا، وقدرات لوجستية، وتمكينًا قانونيًا ومؤسسيًا. وهذا يرتبط إلى حد كبير بنتائج المؤتمر التأسيسي المنعقد حاليًا في “لاسعانود”، والذي يُتوقع أن يُسفر عن تشكيل إداري جديد للولاية يتمتع بشرعية أقوى وتمثيل أوسع، الأمر الذي سيفسح المجال إلى جذب اهتمام شركاء الصومال وتقديم ما يمكن تقديمه من دعم لهاذ الكيان الناشئ.
- ممانعة الكيانات الفيدرالية الأخرى ، وخصوصًا “صوماليلاند” و”بونتلاند”
تواجه ولاية “شمال شرق الصومال” رفضًا صريحًا من “صوماليلاند”، وفتورًا ملحوظًا من “بونتلاند”، التي تعتبر المنطقة جزءًا من مجالها الحيوي اجتماعيًا وسياسيًا. ويُحتمل أن يُترجم هذا الرفض إلى محاولات لإضعاف الولاية الناشئة، سواء عبر ضغوط سياسية، أو تحركات عسكرية، أو عرقلة لمسار جذب الدعم والاستثمار من داخل البلاد وخارجها.
- الفرص المتاحة ودلالات تأسيس ولاية ” شمال شرق الصومال”
على الرغم من التحديات الجسيمة التي تواجه ولاية “شمال شرق الصومال” فإن تأسيسها يحمل في طياته فرصًا استراتيجية ودلالات سياسية قد تُسهم في إعادة صياغة التوازن داخل النظام الفيدرالي الصومالي، إذا ما أُحسن استثمار النقاط المحورية التالية:
- إعادة تصحيح مسار الفيدرالية الصومالية
تمثل ولاية “شمال شرق الصومال” إضافة نوعية للمشهد الفيدرالي، حيث ينبثق مشروعها من القاعدة الشعبية لا من تفاهمات فوقية أو هندسات نخبوية. وبالتالي، فإن دعمها وتثبيت مكانتها ضمن النظام الفيدرالي قد يساهم في تصحيح الاختلالات البنيوية التي عانى منها النظام منذ نشأته، لا سيما في التمثيل، وتوزيع السلطة، وتحقيق التوازن الجغرافي والسكاني.
- تعزيزالوحدة الوطنية عبر نموذج جامع يتجاوز الانقسام
على عكس مشاريع سياسية أخرى تستند إلى خلفيات انفصالية أو مصالح عشائرية ضيقة، تنطلق ولاية “شمال شرق الصومال” من رؤية وطنية صريحة، تؤمن بوحدة الصومال، وترفض إعادة إنتاج الخرائط الاستعمارية أو منطق الإقصاء القائم على الجذب والطرد وفقا للانتماءات العشائرية، مما يجعلها فرصة لبناء نموذج فيدرالي جامع يوازن بين الخصوصية المحلية والانتماء الوطني الجامع.
- خلق توازن إقليمي في مواجهة النزعات الانفصالية
يشكل الاعتراف بـ ولاية “شمال شرق الصومال”، مقابل تراجع مشروع “صوماليلاند”، رسالة سياسية قوية تؤكد قدرة الدولة الصومالية على استيعاب مكوناتها المحلية ضمن إطار وطني جامع، وتؤكد أن مسار الانفصال ليس قدرًا محتوماً بل يمكن تجاوزه من خلال آليات التمثيل والحوار والتقاسم العادل للسلطة والثروة.
- تعزيزالدورالشعبي في صناعة الدولة
تؤكد تجربة ولاية “شمال شرق الصومال” قدرة الحركات السياسية المنبثقة من القاعدة المجتمعية على فرض حضورها عندما تتوفر لها الإرادة والتنظيم، والإرادة السياسية الداعمة من المركز، مما يعيد الاعتبار للدور الشعبي في إعادة بناء الدولة الصومالية بعد سنوات من الاحتكار النخبوي والهندسات المركزية الفوقية.
- فرصة لإعادة هندسة النظام السياسي الصومالي
قد يفتح تأسيس ولاية “شمال شرق الصومال” الباب لنقاش أوسع حول ضرورة إصلاح هياكل الفيدرالية من حيث المعايير والتوازنات وآليات تأسيس الولايات، وربما الدفع نحو تشريعات توافقية جديدة تعيد تعريف العلاقة بين المركز والولايات على أسس الشراكة والمساواة.
- خاتمة:
مثّلت ولاية “شمال شرق الصومال” تجربة سياسية ناشئة ذات أبعاد رمزية وتاريخية تتجاوز حدودها الجغرافية، لتُطرح كإحدى الفرص الواعدة لإصلاح النظام الفيدرالي وتعزيز وحدة الدولة الصومالية. نشأت ولاية شمال شرق الصومال في ظل تراجع شعبي عن نماذج الفيدرالية التقليدية، مقدمة نموذجًا جديدًا يعبر عن طموحات المجتمعات المهمشة في التمثيل العادل والتنمية المتوازنة.
وعلى الرغم من التحديات المحيطة بها، فإن ولاية “شمال شرق الصومال” تفسح المجال لإعادة تنظيم العلاقة بين المركز والولايات ضمن إطار وطني متماسك، شريطة توفر الإرادة السياسية الساعية نحو تجاوز الحسابات الضيقة، واعتماد الفيدرالية كوسيلة حقيقية لبناء الدولة، لا كأداة لتوزيع النفوذ.
إن “ولاية شمال شرق الصومال” ليست مجرد إدارة محلية، بل تمثل فرصة لإعادة صياغة المشروع الوطني الصومالي على أسس تشاركية تراعي الخصوصيات المحلية دون المساس بوحدة الدولة الصومالية التي ناضل الآباء والأجداد من أجلها. وإن انضمامها إلى التشكيلة الفيدرالية يشكل خطوة رمزية مهمة نحو كسر الانقسام بين الشمال والجنوب.
ومع ذلك، تظل هذه الخطوة غير كافية ما لم يُعاد تأسيس النظام الفيدرالي على أسس وطنية صلبة، تتجاوز التقسيمات الجغرافية والاعتبارات القبلية، وتقوم على عقد اجتماعي جديد يضع المصلحة الوطنية في صدارة الأولويات، ويحول الفيدرالية إلى أداة للحكم الرشيد والوحدة، لا وسيلة للتفكك والانقسام.
قائمة المراجع والمصادر:
أولاً: الوثائق الرسمية والدساتير
- الدستور المؤقت لجمهورية الصومال الفيدرالية، اعتمد في مؤتمر الدستور، مقديشو، أغسطس 2012.
- اتفاقيات تأسيس الولايات الفيدرالية، وزارة الداخلية الصومالية، أرشيف رسمي 2013–2023.
- بيان إعلان تأسيس ولاية “خاتمو”، مؤتمر “لاسعانود”، يونيو 2023
ثانيًا : كتب ودراسات أكاديمية :
- حسن مكي محمد أحمد “”السياساتالثقافيةفيالصومالالكبير“، (الخرطوم دار المركز الإسلامي، 1990م).
- Lewis, I. M. A Modern History of the Somali: Nation and State in the Horn of Africa. )Ohio University Press, 2002(.
- Hoehne, Markus V. Between Somaliland and Puntland: Marginalization, Militarization and Conflicting Political Vision. (Rift Valley Institute, 2015).
- Menkhaus, Ken. State Failure, State-Building, and Prospects for a “Functional Failed State” in Somalia. (The ANNALS of the American Academy of Political and Social Science, 2004).
ثالثًا: مقالات وتحليلات سياسية:
- محمد سليمان عبدالله ” ولاية “خاتمو”.. مركز الصراع الصومالي، ورقة سياسات، المعهد العالي للدراسات الأمنية، 2025م.
- Abdi, Rashid. The Future of Federalism in Somalia: Between Promise and Peril, (International Crisis Group, Briefing Paper, 2021).
- 10.Ibrahim, Farah. Federalism in Somalia: Opportunities and Challenges, (Horn Policy Bulletin, 2022).
- 11.Mohamed, Asha. Khatumo State: A Path to Somali Unity or Another Regional Crisis? (Somali Public Agenda, July 2023).
رابعًا: تقارير المنظمات الدولية:
10. United Nations Monitoring Group on Somalia and Eritrea. Report on Somalia, 2021, 2022.
11. International Crisis Group. Somalia and the Perils of Electoral Politics, (Africa Briefing No. 180, March 2022).
12. African Union Mission in Somalia (AMISOM). Annual Security Assessment, 2023.
خامسًا: مواقع إخبارية وتحقيقات موثوقة:
13. BBC Somali – تقارير أرشيفية حول تطورات لاسعانود وخاتمو، 2022–2024.
14. Al Jazeera English & Somali – تغطيات ميدانية حول الصراع في سول وسناغ.
15. Hiiraan Online – مقالات رأي وتحقيقات سياسية، خاصة الفترة (2021–2023).
16. Garowe Online – تحديثات حول بونتلاند وخاتمو، خاصة في ظل الأزمة السياسية الأخيرة.

معهد القرن للسلام والتنمية
سفاري أبارتمينتز، كم 5، مقديشو – الصومال
+252858182 / +252614717775 الهاتف:
البريد الالكتروني: info@hipadinstitute.org
تحميل المقال من هنا 👇