ولاية (شمال شرق الصومال) في النظام الفيدرالي الصومالي
مقدمة تحميل المقال
بدأت “ولاية” شمال شرق الصومال تأخذ بُعداً أكثر جدية منذ إعلان رئيس الولاية الشمالية الصومالية عن “إطلاق” عملية ضم محافظات سول وسناغ وعين التابعة لإقليم صوماليلاند في نوفمبر 2023، والذي تحوّل إلى سياسة رسمية بعد صدور قرار مجلس وزراء الولاية في أوائل ديسمبر 2023. كما شهدت هذه العملية محاولة إنشاء إدارة محلية في مدينة “لاسعانود” المهمة استراتيجياً في إقليم سول، والتي تُعتبر من أهم المحافظات التي تسعى الولاية الشمالية لضمها إلى نفوذها.
وتأتي هذه المبادرة في سياق التطورات السياسية التي شهدتها الساحة الصومالية في السنوات الأخيرة، خاصة بعد إقرار الدستور الاتحادي عام 2012 الذي نص على تأسيس نظام فيدرالي يقوم على أساس الولايات الفيدرالية. وقد شهد هذا النظام تطوراً تدريجياً بتشكيل عدة ولايات فيدرالية على مدار السنوات الماضية، بما في ذلك ولايات جوبالاند وجنوب غرب الصومال وهيرشبيلي وغالمدغ.
غير أن تشكيل “ولاية شمال شرق الصومال” يطرح تحديات خاصة نظراً لطبيعة المناطق المستهدفة، والتي تخضع فعلياً لسيطرة إقليم صوماليلاند المُعلن من جانب واحد، والذي يسعى للحصول على الاعتراف الدولي كدولة مستقلة منذ عام 1991. وتكتسب هذه المبادرة أهمية خاصة في ضوء التحديات التي تواجه النظام الفيدرالي الصومالي، وما يطرحه من أسئلة حول طبيعة التوازن بين الحكومة المركزية والولايات الفيدرالية، ومدى قدرة النظام على استيعاب تعقيدات الواقع الصومالي المتنوع.
ومن هذا المنطلق، تهدف هذه الورقة إلى تحليل دوافع ومبررات إنشاء “ولاية شمال شرق الصومال”، وتقييم الفرص والتحديات التي تواجه هذه المبادرة، واستشراف السيناريوهات المحتملة لتطورها، وذلك من خلال رصد وتحليل التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية ذات الصلة.
أولاً: السياق التاريخي والسياسي لتشكيل الولايات الفيدرالية في الصومال
1. الخلفية التاريخية للنظام الفيدرالي الصومالي
شهدت الصومال منذ استقلالها عام 1960 تجارب متنوعة في أنظمة الحكم، بدءاً من النظام البرلماني الديمقراطي في الستينات، مروراً بالحكم العسكري تحت قيادة محمد سياد بري (1969-1991)، وصولاً إلى انهيار الدولة المركزية عام 1991 وما تبع ذلك من فترات طويلة من الصراع والفوضى.
وقد أدى انهيار النظام المركزي إلى ظهور كيانات سياسية متعددة، بعضها أعلن الاستقلال من جانب واحد مثل صوماليلاند (1991)، وأخرى تشكلت كإدارات محلية مستقلة مثل بونتلاند (1998). كما شهدت البلاد محاولات متعددة لإعادة بناء الدولة المركزية، بدءاً من المؤتمرات الوطنية للمصالحة في عرتا بجيبوتي (2000)، ومروراً بالحكومات الانتقالية المتعاقبة، وصولاً إلى إقرار الدستور الاتحادي عام 2012.
2. التأسيس القانوني للنظام الفيدرالي
نص الدستور الاتحادي الصومالي المؤقت لعام 2012 على تأسيس “جمهورية الصومال الاتحادية” القائمة على نظام فيدرالي من مستويين: الحكومة الاتحادية والولايات الأعضاء. وحدد الدستور المبادئ الأساسية للنظام الفيدرالي، بما في ذلك توزيع السلطات والاختصاصات بين المستويين، وآليات تشكيل الولايات الفيدرالية.
وبموجب المادة 49 من الدستور، يتم تشكيل الولايات الفيدرالية على أساس:
- رغبة المجتمعات المحلية في تشكيل ولاية فيدرالية
- القدرة الاقتصادية على الاستدامة
- الحدود الجغرافية الواضحة
- عدد السكان الكافي لتبرير تشكيل الولاية
3. تطور تشكيل الولايات الفيدرالية
شهد النظام الفيدرالي الصومالي تطوراً تدريجياً منذ عام 2012، حيث تم الاعتراف بعدة ولايات فيدرالية:
أ. ولاية بونتلاند (1998-2012) تأسست بونتلاند كإدارة محلية مستقلة عام 1998، وأصبحت رسمياً أول ولاية فيدرالية في إطار النظام الجديد عام 2012. تضم ولاية بونتلاند أقاليم بري ونوغال ومودوغ وكاركار وسول (جزئياً).
ب. ولاية جوبالاند (2013) تشكلت في أغسطس 2013 من أقاليم جيدو وباي ولاور جوبا وميدل جوبا. واجهت الولاية تحديات أمنية كبيرة بسبب وجود حركة الشباب في أجزاء من أراضيها.
ج. ولاية جنوب غرب الصومال (2014) تأسست من أقاليم باي وبكول وشابيلي السفلى ولاور شابيلي وبردال وديول. تُعتبر من أكبر الولايات من حيث المساحة والسكان.
د. ولاية هيرشبيلي (2016) تشكلت من أقاليم هيران وشابيلي الوسطى. واجهت تحديات في تأسيسها بسبب معارضة بعض القبائل والجماعات المحلية.
هـ. ولاية غالمدغ (2015) تأسست من أقاليم غالغدود ومودوغ (جزئياً). شهدت نزاعات داخلية حول القيادة والتمثيل.
ثانياً: “ولاية شمال شرق الصومال”: الدوافع والأهداف
1. الخلفية والسياق
جاء إعلان تشكيل “ولاية شمال شرق الصومال” في نوفمبر 2023 من قبل حكومة بونتلاند، والتي أعلنت عن عزمها ضم محافظات سول وسناغ وعين التابعة نظرياً لإقليم صوماليلاند. وقد استند هذا الإعلان إلى عدة مبررات:
أ. المبرر القانوني الدستوري تستند بونتلاند في مبادرتها إلى نصوص الدستور الاتحادي الصومالي، والذي لا يعترف بصوماليلاند كدولة مستقلة، ويعتبر المناطق التي تسيطر عليها جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصومالية. كما تحتج بونتلاند على أن هذه المناطق كانت تاريخياً جزءاً من نفوذها قبل سيطرة صوماليلاند عليها.
ب. المبرر الديموغرافي والقبلي تدّعي بونتلاند أن سكان هذه المناطق، وخاصة في إقليم سول، ينتمون إلى عشائر لها روابط قوية مع بونتلاند، وأنهم لا يؤيدون الحكم من قبل صوماليلاند. وتشير إلى الاحتجاجات التي شهدتها مدينة لاسعانود عاصمة إقليم سول في عام 2023 كدليل على رفض السكان للسيطرة الصوماليلاندية.
ج. المبرر الاقتصادي تحتوي المناطق المستهدفة على موارد طبيعية مهمة، بما في ذلك احتياطيات نفطية محتملة وأراضي زراعية خصبة. كما تمر عبرها طرق تجارية مهمة تربط بين الداخل الصومالي والموانئ على الساحل.
2. الأهداف المعلنة
حددت حكومة بونتلاند عدة أهداف لمبادرة تشكيل الولاية الجديدة:
أ. إعادة التوازن الجغرافي في النظام الفيدرالي تهدف المبادرة إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية للصومال بما يضمن تمثيلاً أفضل لجميع المناطق في إطار النظام الفيدرالي، وتقليل الفجوات الجغرافية والديموغرافية بين الولايات.
ب. تعزيز الوحدة الوطنية الصومالية تُقدم المبادرة كخطوة نحو إعادة توحيد الأراضي الصومالية تحت مظلة النظام الفيدرالي، ووضع حد لحالة الانفصال الفعلي التي تمارسها صوماليلاند منذ عام 1991.
ج. تحسين الخدمات والحكم المحلي تعد المبادرة بتقديم خدمات أفضل للسكان المحليين من خلال إدارة أكثر قرباً منهم وفهماً لاحتياجاتهم، مقارنة بالحكم من مقديشو أو هرجيسا.
د. الاستفادة من الموارد الطبيعية تهدف إلى تطوير الموارد الطبيعية في المنطقة لصالح السكان المحليين والصومال ككل، وضمان التوزيع العادل للعائدات.
ثالثاً: التحديات والعقبات
1. التحديات السياسية والأمنية
أ. معارضة صوماليلاند تواجه المبادرة معارضة شديدة من حكومة صوماليلاند، التي تعتبر هذه المناطق جزءاً لا يتجزأ من أراضيها. وقد أعلنت صوماليلاند أنها ستستخدم جميع الوسائل المتاحة للدفاع عن “سيادتها” على هذه المناطق، مما يثير مخاوف من احتمال نشوب صراع مسلح.
ب. الانقسامات المحلية لا تحظى المبادرة بدعم موحد من جميع سكان المناطق المستهدفة. فبينما تؤيدها بعض العشائر، تعارضها أخرى، مما يعكس التعقيدات القبلية والسياسية في المنطقة.
ج. ضعف القدرات المؤسسية تفتقر الولاية المقترحة إلى البنية التحتية المؤسسية والإدارية اللازمة لممارسة الحكم الفعال، بما في ذلك نقص في الكوادر المدربة والموارد المالية.
2. التحديات القانونية والدستورية
أ. غموض النصوص الدستورية تعاني النصوص الدستورية المتعلقة بتشكيل الولايات الفيدرالية من الغموض وعدم الوضوح، مما يفتح المجال لتفسيرات متضاربة حول شروط ومتطلبات التشكيل.
ب. عدم وجود آليات واضحة لحل النزاعات يفتقر النظام الفيدرالي إلى آليات فعالة لحل النزاعات بين الولايات أو بين الولايات والحكومة الاتحادية، مما يجعل حل الخلاف حول الولاية الجديدة أمراً معقداً.
ج. مسألة الموافقة الشعبية تثير المبادرة تساؤلات حول كيفية قياس الموافقة الشعبية في المناطق المستهدفة، وما إذا كان يجب إجراء استفتاء أم الاكتفاء بموافقة الممثلين التقليديين.
3. التحديات الاقتصادية والتنموية
أ. نقص الموارد المالية تحتاج الولاية الجديدة إلى موارد مالية ضخمة لتأسيس مؤسساتها وتقديم الخدمات الأساسية، في ظل محدودية الموارد المتاحة على مستوى النظام الفيدرالي ككل.
ب. ضعف البنية التحتية تعاني المناطق المستهدفة من ضعف شديد في البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والاتصالات والكهرباء والمياه، مما يتطلب استثمارات كبيرة.
ج. التحديات التنموية تواجه المنطقة تحديات تنموية كبيرة، بما في ذلك ارتفاع معدلات الفقر والبطالة ونقص الخدمات الاجتماعية الأساسية.
رابعاً: المواقف الإقليمية والدولية
1. الموقف الصومالي الرسمي
الحكومة الاتحادية الصومالية تبنت الحكومة الاتحادية في مقديشو موقفاً مؤيداً لمبادرة بونتلاند، معتبرة إياها خطوة إيجابية نحو إعادة توحيد الأراضي الصومالية. وقد أعلن الرئيس حسن شيخ محمود دعمه للمبادرة ووصفها بأنها تتماشى مع الدستور الاتحادي.
البرلمان الاتحادي أقر البرلمان الاتحادي الصومالي قراراً بدعم تشكيل الولاية الجديدة، وطالب الحكومة بتقديم الدعم اللازم لإنجاح المبادرة.
2. المواقف الإقليمية
أ. إثيوبيا اتخذت إثيوبيا موقفاً حذراً من المبادرة، مع تأكيدها على ضرورة الحل السلمي للخلافات وتجنب التصعيد. وتحرص إثيوبيا على الحفاظ على علاقاتها مع جميع الأطراف الصومالية.
ب. كينيا أعربت كينيا عن قلقها من احتمال تأثير التطورات على الاستقرار الإقليمي، ودعت إلى الحوار والتفاوض لحل الخلافات.
ج. جيبوتي دعت جيبوتي جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة.
3. المواقف الدولية
أ. الاتحاد الأفريقي أعرب الاتحاد الأفريقي عن قلقه من التطورات، ودعا إلى الحوار والتفاوض تحت مظلة أفريقية لحل الخلافات. كما أكد على ضرورة احترام مبدأ وحدة التراب الصومالي.
ب. الأمم المتحدة دعت الأمم المتحدة جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب أي أعمال قد تؤدي إلى تصعيد التوتر، مع التأكيد على أهمية الحوار البناء.
ج. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أعربت القوى الغربية عن قلقها من احتمال تأثير التطورات على الاستقرار، ودعت إلى الحل السلمي للخلافات من خلال الحوار والتفاوض.
خامساً: السيناريوهات المحتملة
1. سيناريو النجاح الجزئي
في هذا السيناريو، تنجح بونتلاند في تأسيس الولاية الجديدة في أجزاء من المناطق المستهدفة، خاصة في المناطق التي تحظى فيها بدعم شعبي أكبر. قد يشمل ذلك:
- السيطرة على أجزاء من إقليم سول، وخاصة المناطق ذات الأغلبية من العشائر المؤيدة لبونتلاند
- تأسيس إدارة محلية في لاسعانود وبعض المدن الأخرى
- قبول محدود من بعض المجتمعات المحلية
- مقاومة جزئية من صوماليلاند دون تصعيد عسكري كبير
العوامل المساعدة:
- الدعم المستمر من الحكومة الاتحادية
- قبول شعبي في بعض المناطق
- عدم تدخل عسكري كبير من صوماليلاند
- دعم دولي محدود للعملية
التحديات:
- مقاومة مستمرة من صوماليلاند
- انقسامات داخلية في المناطق المستهدفة
- نقص الموارد للإدارة الفعالة
- عدم الاعتراف الدولي الكامل
2. سيناريو الفشل التام
في هذا السيناريو، تفشل المبادرة في تحقيق أهدافها بسبب:
- مقاومة شعبية واسعة في المناطق المستهدفة
- رد فعل عسكري قوي من صوماليلاند
- عدم قدرة بونتلاند على توفير الحكم الفعال
- معارضة دولية أو إقليمية قوية
العوامل المؤدية للفشل:
- رفض شعبي واسع للمبادرة
- تفوق صوماليلاند العسكري في المنطقة
- ضغوط دولية لوقف المبادرة
- انشقاقات داخل بونتلاند حول الأولويات
التداعيات:
- تعزيز موقف صوماليلاند
- إضعاف بونتلاند سياسياً
- زيادة التوترات في النظام الفيدرالي
- تأثير سلبي على العملية السياسية الصومالية
3. سيناريو التصعيد العسكري
هذا السيناريو الأكثر خطورة يشمل:
- نشوب صراع مسلح بين قوات بونتلاند وصوماليلاند
- تدخل الحكومة الاتحادية عسكرياً لدعم بونتلاند
- انتشار العنف إلى مناطق أوسع
- تدهور الوضع الأمني والإنساني
العوامل المحفزة:
- تصعيد في الخطاب السياسي
- حوادث عنف محلية
- تدخل عسكري مباشر من أحد الأطراف
- فشل جهود الوساطة
التداعيات:
- خسائر بشرية ومادية كبيرة
- تدهور الاستقرار الإقليمي
- تأثير سلبي على التنمية والاقتصاد
- تدخل دولي محتمل
4. سيناريو التسوية التفاوضية
يتضمن هذا السيناريو التوصل إلى حل تفاوضي يرضي جميع الأطراف:
- حوار شامل بين جميع الأطراف الصومالية
- إعادة هيكلة النظام الفيدرالي
- ترتيبات خاصة للمناطق المتنازع عليها
- ضمانات دولية للتنفيذ
العوامل المساعدة:
- وساطة دولية فعالة
- مرونة من جميع الأطراف
- ضغط شعبي للسلام
- دعم إقليمي ودولي
المخرجات المحتملة:
- اتفاق حول الحكم الذاتي الموسع
- تقاسم السلطة والموارد
- ضمانات لحقوق الأقليات
- آليات لحل النزاعات المستقبلية
سادساً: التوصيات والخلاصة
التوصيات
1. على المستوى الصومالي:
أ. الحوار الوطني الشامل ضرورة عقد مؤتمر وطني شامل يضم جميع الأطراف الصومالية لمناقشة مستقبل النظام الفيدرالي وحل الخلافات حول الولايات والحدود.
ب. تطوير الإطار القانوني العمل على تطوير قانون واضح ومفصل لتشكيل الولايات الفيدرالية، يحدد الشروط والإجراءات والآليات بطريقة لا تقبل التأويل.
ج. تعزيز آليات حل النزاعات إنشاء آليات فعالة لحل النزاعات بين الولايات وبين الولايات والحكومة الاتحادية، بما في ذلك محكمة دستورية ولجان وساطة متخصصة.
د. التدرج في التطبيق اعتماد نهج تدريجي في تطبيق المبادرة، يبدأ بمناطق محدودة تحظى بدعم شعبي واضح، مع إمكانية التوسع تدريجياً حسب الظروف.
2. على المستوى الإقليمي والدولي:
أ. الوساطة الفعالة تفعيل دور المنظمات الإقليمية والدولية في الوساطة بين الأطراف المتنازعة، مع التركيز على الحلول السلمية.
ب. الدعم التنموي تقديم دعم تنموي للمناطق المتنازع عليها لتحسين الأوضاع المعيشية للسكان وتقليل الدوافع للصراع.
ج. المراقبة والرصد وضع آليات دولية لمراقبة التطورات في المنطقة والتدخل المبكر لمنع التصعيد.
الخلاصة
تمثل مبادرة إنشاء “ولاية شمال شرق الصومال” تطوراً مهماً في مسيرة النظام الفيدرالي الصومالي، وتطرح أسئلة جوهرية حول طبيعة الدولة الصومالية ومستقبل وحدتها الترابية. وبينما تحمل المبادرة إمكانيات إيجابية لإعادة توحيد الأراضي الصومالية وتعزيز النظام الفيدرالي، فإنها تواجه تحديات جمة قد تؤدي إلى تصعيد التوترات والصراعات.
إن نجاح هذه المبادرة يتوقف على قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى حلول تفاوضية تراعي مصالح جميع الأطراف وتحترم إرادة الشعوب المحلية. كما يتطلب الأمر دعماً دولياً وإقليمياً فعالاً، وتطوير آليات مؤسسية قادرة على إدارة التنوع والتعددية في إطار الوحدة الوطنية.
وفي النهاية، تبقى القضية الأساسية هي كيفية بناء نظام فيدرالي يوازن بين الحاجة إلى الوحدة الوطنية من جهة، واحترام التنوع والخصوصيات المحلية من جهة أخرى. وهذا التوازن لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحوار البناء والتفاهم المتبادل والاحترام المتبادل لحقوق جميع المكونات الصومالية.
سابعاً: النصوص والوثائق المرجعية
النصوص القانونية الأساسية
1. الدستور الاتحادي الصومالي المؤقت (2012)
المادة 1: جمهورية الصومال الاتحادية “جمهورية الصومال الاتحادية هي دولة فيدرالية قائمة على الأسس الدستورية والقانونية.”
المادة 49: تشكيل الولايات الأعضاء “1. تتشكل الولايات الأعضاء على أساس: أ) رغبة المجتمعات في تشكيل ولايات أعضاء ب) أن تكون قابلة للاستمرار اقتصادياً ج) أن تكون لها حدود جغرافية واضحة د) أن يكون لديها العدد الكافي من السكان”
المادة 50: العلاقة بين الحكومة الاتحادية والولايات الأعضاء “توزع السلطات والاختصاصات بين الحكومة الاتحادية والولايات الأعضاء وفقاً لأحكام هذا الدستور.”
الوثائق والإعلانات الرسمية
2. إعلان حكومة بونتلاند (نوفمبر 2023) “تعلن حكومة ولاية بونتلاند عن بدء عملية تشكيل ولاية شمال شرق الصومال، التي تشمل أقاليم سول وسناغ وعين، وذلك تماشياً مع نصوص الدستور الاتحادي الصومالي وحرصاً على إعادة توحيد الأراضي الصومالية.”
3. قرار مجلس الوزراء – ولاية بونتلاند (ديسمبر 2023) “يقرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة عليا لتنفيذ عملية إنشاء ولاية شمال شرق الصومال، وتخصيص الموارد اللازمة لإنجاح هذه المهمة الوطنية.”
4. بيان الحكومة الاتحادية الصومالية (ديسمبر 2023) “ترحب الحكومة الاتحادية بمبادرة ولاية بونتلاند لإنشاء ولاية شمال شرق الصومال، وتؤكد دعمها الكامل لهذه الخطوة التي تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية والنظام الفيدرالي.”
ثامناً: الأطراف والفاعلون الرئيسيون
1. الفاعلون الصوماليون
أ. حكومة ولاية بونتلاند
- الرئيس: سعيد عبد الله دني
- الموقف: مبادر ومؤيد رئيسي للمشروع
- الأهداف: توسيع النفوذ وإعادة توحيد المناطق التاريخية
- الأدوات: الإعلانات السياسية، التحرك الدبلوماسي، التعبئة القبلية
ب. حكومة صوماليلاند
- الرئيس: موسى بيهي عبدي
- الموقف: معارض قوي للمبادرة
- الأهداف: الحفاظ على السيطرة على الأراضي والسعي للاستقلال
- الأدوات: التعبئة العسكرية، الدبلوماسية، الحشد الشعبي
ج. الحكومة الاتحادية الصومالية
- الرئيس: حسن شيخ محمود
- الموقف: مؤيد للمبادرة
- الأهداف: تعزيز الوحدة الترابية والنظام الفيدرالي
- الأدوات: الدعم السياسي والقانوني
د. القيادات التقليدية والقبلية
- مختلف العشائر في المناطق المتنازع عليها
- مواقف متباينة حسب المصالح والانتماءات
- دور مهم في تحديد الدعم الشعبي
2. الفاعلون الإقليميون
أ. إثيوبيا
- مصالح اقتصادية وأمنية في المنطقة
- علاقات مع جميع الأطراف الصومالية
- موقف حذر يميل إلى الحياد
ب. كينيا
- قلق من تأثير عدم الاستقرار على أمنها
- علاقات تجارية مع جميع الأطراف
- دعوة للحل السلمي
ج. جيبوتي
- مصالح في الاستقرار الإقليمي
- علاقات دبلوماسية متوازنة
- دور في الوساطة الإقليمية
3. الفاعلون الدوليون
أ. الاتحاد الأفريقي
- التزام بمبدأ وحدة التراب الأفريقي
- دور في حفظ السلام والوساطة
- دعم للحل السلمي
ب. الأمم المتحدة
- دعم لوحدة الصومال
- برامج تنموية وإنسانية
- دور في بناء السلام
ج. الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
- مصالح أمنية ومكافحة الإرهاب
- دعم للاستقرار والديمقراطية
- تمويل برامج التنمية
تاسعاً: التحليل الاقتصادي والاجتماعي
1. الوضع الاقتصادي في المناطق المستهدفة
أ. الموارد الطبيعية
- احتياطيات نفطية محتملة في أحواض سول وسناغ
- مراعي واسعة تدعم الثروة الحيوانية
- موارد مائية جوفية
- معادن متنوعة بما في ذلك الذهب والفحم
ب. الأنشطة الاقتصادية الحالية
- الرعي التقليدي (الإبل والماعز والأغنام)
- التجارة العابرة للحدود
- الزراعة المحدودة في المناطق المطرية
- التجارة في الأسواق المحلية
ج. التحديات الاقتصادية
- نقص الاستثمار في البنية التحتية
- محدودية الوصول إلى الأسواق
- تأثير الجفاف المتكرر على الاقتصاد الرعوي
- ضعف الخدمات المصرفية والمالية
2. الوضع الاجتماعي والديموغرافي
أ. التركيبة السكانية
- عدد السكان المقدر: حوالي 1.2 مليون نسمة
- الأغلبية من الرعاة الرحل وشبه الرحل
- تنوع قبلي مع هيمنة عشائر دارود
- وجود أقليات من عشائر أخرى
ب. التحديات الاجتماعية
- ارتفاع معدلات الأمية (تزيد عن 70%)
- نقص في الخدمات الصحية والتعليمية
- تأثر النساء والأطفال بشكل خاص
- النزوح المتكرر بسبب الجفاف والصراعات
ج. الهوية والانتماء
- هوية صومالية قوية مع انتماءات قبلية
- تأثير العامل الديني (الإسلام السني)
- تنوع في الولاءات السياسية
- تأثير الروابط التجارية والاقتصادية
عاشراً: دراسات الحالة المقارنة
1. تجربة تشكيل ولاية جوبالاند (2013)
أ. السياق تشكلت ولاية جوبالاند في أغسطس 2013 من خلال دمج أقاليم جيدو وباي ولاور جوبا وميدل جوبا، بدعم من الحكومة الكينية والحكومة الاتحادية الصومالية.
ب. التحديات
- مقاومة من حركة الشباب المجاهدين
- نزاعات قبلية حول القيادة
- ضعف في البنية المؤسسية
- تدخل أجنبي (كيني)
ج. النتائج
- تأسيس ناجح نسبياً للولاية
- استمرار التحديات الأمنية
- تطور تدريجي للمؤسسات
- علاقات معقدة مع الحكومة الاتحادية
د. الدروس المستفادة
- أهمية الدعم الإقليمي والدولي
- ضرورة الحصول على دعم شعبي واسع
- أهمية التدرج في بناء المؤسسات
- تحدي التوازن بين المصالح المختلفة
2. تجربة ولاية هيرشبيلي (2016)
أ. السياق تشكلت من أقاليم هيران وشابيلي الوسطى، وواجهت معارضة قوية من بعض العشائر والجماعات السياسية.
ب. التحديات
- معارضة من عشيرة هوية المهيمنة في المنطقة
- نزاعات حول عاصمة الولاية
- ضعف الدعم الشعبي في بعض المناطق
- تدخل حركة الشباب
ج. النتائج
- تأسيس الولاية رغم المعارضة
- استمرار التوترات القبلية
- تقدم محدود في بناء المؤسسات
- علاقات متوترة مع بعض المجتمعات
د. الدروس المستفادة
- أهمية التوافق القبلي المسبق
- ضرورة معالجة المخاوف المحلية
- تحدي الحفاظ على التوازن القبلي
- أهمية الشرعية الشعبية
الحادي عشر: التوقعات والسيناريوهات المتقدمة
1. السيناريو الأمثل: التكامل التدريجي
أ. الخطوات المتوقعة
- توقيع اتفاق إطاري بين جميع الأطراف
- إجراء استفتاء في المناطق المتنازع عليها
- تشكيل إدارة مشتركة مؤقتة
- بناء تدريجي للمؤسسات الفيدرالية
ب. العوامل المساعدة
- وساطة دولية فعالة
- ضغط شعبي للسلام
- مرونة من جميع الأطراف
- دعم اقتصادي للتنمية
ج. النتائج المتوقعة
- تأسيس ولاية بشرعية شعبية
- تحسن في الخدمات والتنمية
- تعزيز النظام الفيدرالي
- نموذج للولايات الأخرى
2. السيناريو الوسط: التعايش المتوتر
أ. الخصائص
- تشكيل الولاية في أجزاء محدودة
- استمرار التوتر مع صوماليلاند
- دعم جزئي من المجتمعات المحلية
- تدخل دولي محدود
ب. التحديات
- عدم الاستقرار الأمني
- تقسيم فعلي للمناطق
- صعوبة في تقديم الخدمات
- توترات قبلية مستمرة
ج. النتائج المحتملة
- ولاية ضعيفة ومحدودة النطاق
- استمرار النزاع بأشكال مختلفة
- تأثير سلبي على التنمية
- نموذج سلبي للولايات الأخرى
3. السيناريو الأسوأ: التصعيد الشامل
أ. العوامل المحفزة
- فشل جهود الوساطة
- حوادث عنف كبيرة
- تدخل عسكري مباشر
- استقطاب إقليمي حاد
ب. التداعيات
- نزاع مسلح واسع النطاق
- نزوح جماعي للسكان
- تدهور الوضع الإنساني
- تدخل دولي عسكري محتمل
ج. النتائج طويلة المدى
- تدمير النسيج الاجتماعي
- تأثير سلبي على النظام الفيدرالي
- عرقلة التنمية لسنوات
- تعقيد الحل المستقبلي
الثاني عشر: الخلاصة والتوصيات النهائية
الخلاصة العامة
تمثل مبادرة إنشاء “ولاية شمال شرق الصومال” منعطفاً مهماً في تطور النظام الفيدرالي الصومالي، وتطرح تحديات وفرص متعددة الأبعاد. فمن جهة، تحمل المبادرة إمكانية إعادة توحيد أجزاء من الأراضي الصومالية تحت مظلة النظام الفيدرالي، وتعزيز مبدأ المشاركة في السلطة والثروة. ومن جهة أخرى، تواجه عقبات جمة قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات وتهديد الاستقرار الإقليمي.
إن نجاح هذه المبادرة يتطلب أكثر من مجرد إعلانات سياسية أو مبررات قانونية؛ فهو يحتاج إلى بناء توافق شعبي حقيقي، وتطوير قدرات مؤسسية فعالة، وضمان الدعم الإقليمي والدولي اللازم. كما يتطلب معالجة جذرية للأسباب الكامنة وراء الانقسامات، بما في ذلك مسائل العدالة في توزيع الموارد والسلطة، واحترام الهويات والخصوصيات المحلية.
التوصيات الاستراتيجية
1. على المستوى الوطني الصومالي:
أ. مراجعة شاملة للنظام الفيدرالي
- عقد مؤتمر وطني شامل لمراجعة الدستور الاتحادي
- تطوير قانون واضح ومفصل لتشكيل الولايات
- وضع آليات فعالة لتوزيع السلطات والموارد
- تعزيز مؤسسات الحكم الفيدرالي
ب. تعزيز الحوار والمصالحة
- إطلاق عملية حوار وطني شاملة تضم جميع الأطراف
- معالجة المظالم التاريخية والقبلية
- بناء الثقة بين المكونات المختلفة
- تطوير آليات للعدالة الانتقالية
ج. بناء القدرات المؤسسية
- تطوير مؤسسات حكم محلي فعالة
- تدريب الكوادر الإدارية والتقنية
- تعزيز آليات المساءلة والشفافية
- بناء قدرات تقديم الخدمات الأساسية
2. على المستوى الإقليمي:
أ. تفعيل الوساطة الإقليمية
- تكثيف دور الإيغاد في الوساطة
- تنسيق الجهود بين الدول الإقليمية
- وضع آليات للمراقبة والمتابعة
- منع التدخلات الخارجية الضارة
ب. التعاون في التنمية
- تطوير برامج تنموية عبر حدودية
- تعزيز التجارة الإقليمية
- تبادل الخبرات في الحكم الفيدرالي
- التنسيق في مجال الأمن
3. على المستوى الدولي:
أ. الدعم المالي والتقني
- زيادة المساعدات التنموية للمناطق المتأثرة
- دعم برامج بناء القدرات
- تمويل مشاريع البنية التحتية
- دعم برامج التعليم والصحة
ب. الدبلوماسية الوقائية
- تكثيف جهود الوساطة الدولية
- وضع آليات للإنذار المبكر
- منع تدفق الأسلحة إلى المنطقة
- دعم عمليات حفظ السلام
الرؤية المستقبلية
إن الهدف النهائي يجب أن يكون بناء نظام فيدرالي صومالي قوي ومستقر، يوازن بين الوحدة والتنوع، ويوفر الحكم الرشيد والتنمية المستدامة لجميع المواطنين. وهذا يتطلب:
- نظام فيدرالي حقيقي يمنح الولايات صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها المحلية
- حكومة اتحادية قوية تتولى المسائل ذات الطابع القومي والدفاع والسياسة الخارجية
- آليات فعالة للتنسيق بين مختلف مستويات الحكم
- نظام عادل لتوزيع الموارد يضمن التنمية المتوازنة لجميع المناطق
إن تحقيق هذه الرؤية يتطلب إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف الصومالية، ودعماً مستداماً من المجتمع الدولي، وصبراً في بناء المؤسسات والعمليات الديمقراطية. كما يتطلب الاعتراف بأن بناء الدولة عملية طويلة المدى تحتاج إلى استثمار مستمر في رأس المال البشري والاجتماعي.
وختاماً، فإن مبادرة “ولاية شمال شرق الصومال” تمثل اختباراً مهماً لنضج النظام السياسي الصومالي وقدرته على إدارة التنوع والتعددية بطريقة سلمية وديمقراطية. والأمل أن تكون هذه التجربة نموذجاً إيجابياً يُحتذى به في حل النزاعات المماثلة، وليس مصدراً لمزيد من الانقسام والصراع.
المراجع والمصادر
المصادر العربية:
- الدستور الاتحادي الصومالي المؤقت، 2012
- وثائق وقرارات حكومة ولاية بونتلاند، 2023-2024
- بيانات الحكومة الاتحادية الصومالية، 2023
- تقارير منظمة التحرير الفلسطينية – هيئة مقاومة الجدار والاستيطان
- مصادر إعلامية: BBC Somali، Al Jazeera، Hiiraan Online، Garowe Online
المصادر الإنجليزية:
- Lewis, I. M. “A Modern History of the Somali: Nation and State in the Horn of Africa.” Ohio University Press, 2002
- Hoehne, Markus V. “Between Somaliland and Puntland: Marginalization, Militarization and Conflicting Political Vision.” Rift Valley Institute, 2015
- Menkhaus, Ken. “State Failure, State-Building, and Prospects for a ‘Functional Failed State’ in Somalia.” The ANNALS of the American Academy of Political and Social Science, 2004
- Abdi, Rashid. “The Future of Federalism in Somalia: Between Promise and Peril.” International Crisis Group Briefing Paper, 2021
- Ibrahim, Farah. “Federalism in Somalia: Opportunities and Challenges.” Horn Policy Bulletin, 2022
- Mohamed, Asha Khatumo. “State: A Path to Somali Unity or Another Regional Crisis?” Somali Public Agenda, July 2023
- United Nations Monitoring Group on Somalia and Eritrea. “Report on Somalia,” 2021, 2022
- African Union Mission in Somalia (AMISOM). “Annual Security Assessment,” 2023
- International Crisis Group. “Somalia and the Perils of Electoral Politics.” Africa Briefing No. 180, March 2022
مصادر إضافية:
- تقارير ميدانية من المناطق المتأثرة
- مقابلات مع خبراء ومحللين سياسيين
- وثائق المنظمات الدولية ذات الصلة
- مصادر إعلامية محلية وإقليمية
انتهى التقرير
معهد القرن للسلام والتنمية – HIPAD
تاريخ النشر: [التاريخ]
جميع الحقوق محفوظة